تُويتش (Twitch)، وهي منصة متاحة عبر www.twitch.tv، تُعتبر واحدة من أكبر وأشهر منصات البث الحي في العالم. تمرَّت هذه المنصة بمسار طويل من بدايتها كجزء من منصة جاستن.تي في (Justin.tv) إلى تحولها إلى خدمة مستقلة وقوية. اليوم، أصبحت تُويتش مركزًا رئيسيًا لللاعبين، المُستريمرز، والمهتمين بالمحتوى التفاعلي، بعد أن بدأت رحلتها في عام 2011 من داخل جاستن.تي في، وحققت نموًا سريعًا وانتهت بشرائها من قبل أمازون في عام 2014 مقابل 970 مليون دولار. اليوم، تضم أكثر من 15 مليون مستخدم نشط يوميًا، وتغطي محتوى يتجاوز الألعاب الإلكترونية إلى الموسيقى والفنون. في هذه المقالة، نستعرض تاريخ تُويتش بشكل شامل، من أفكارها الأولى إلى تحوّلها إلى منصة مستقلة ومؤثرة.
الجذور: ولادة جاستن.تي في
بدأ تاريخ تويتش مع منصة جاستن.تي في، التي أُنشئت عام 2007 على يد جاستن كان (Justin Kan)، وإيميت شير (Emmett Shear)، وميكيل سايبل (Michael Seibel)، وكايل فوغت (Kyle Vogt) في سان فرانسيسكو، كاليفورنيا. كانت جاستن.تي في في البداية مشروعًا تجريبيًا، حيث قام جاستن كان ببث حياته اليومية لمدة 24 ساعة يوميًا باستخدام كاميرا ويب مثبتة على قبعة بيسبول. هذه الفكرة، التي اشتهرت باسم "لائفكاستينغ" (Lifecasting)، جذبت انتباه المستخدمين الأوائل لإنترنت. الهدف من هذه المنصة هو تقديم بيئة يمكن لأي شخص من خلالها مشاركة محتواه الحي مع العالم.
في أواخر عام 2007، توسع جاستن.تي في من قناة فردية إلى منصة تحتوي على أكثر من 60 قناة متنوعة. كان المستخدمون يُنشئون "قنوات مستخدمين" لبث الأحداث، الحياة اليومية، أو أي محتوى يختارونه، ويتواصلون مع المشاهدين عبر المحادثة الداخلية. اكتسبت هذه المنصة شهرة سريعة، وبحلول عام 2009، تجاوزت عدد مشاهديها خارج الولايات المتحدة شركة هولو (Hulu). رغم هذا النجاح، فإن النجاح الحقيقي لجاستن.تي في كان في اكتشاف حاجة خاصة، تحوَّلت لاحقًا إلى ولادة تويتش.
الظهور الأول لتويتش: التركيز على الألعاب الإلكترونية
بينما كانت جاستن.تي في تغطي محتوى متنوعًا مثل الحياة اليومية والأحداث والترفيه، لاحظ المطورون بسرعة أن فئة "الألعاب الإلكترونية" تحقق أسرع نمو بين المستخدمين. عشاق الألعاب، خصوصًا من يلعبون في الرياضات الإلكترونية (eSports)، شكَّلوا جزءًا كبيرًا من جمهور المنصة. هذه الظاهرة شكلت بذرة لبناء منصة مخصصة. في يونيو 2011، أُطلقت تويتش كفرع مستقل من جاستن.تي في، وركزت على البث الحي للألعاب الإلكترونية.
نمت تويتش بشكل تصاعدي خلال عامها الأول، وبحلول نهاية عام 2011، بلغ عدد مشاهديها الفريد شهريًا 3 ملايين. وفي عام 2012، ارتفع العدد إلى 20 مليون، وبحلول عام 2014، أصبحت تويتش تُستقبل 55 مليون مشاهد، مما جعلها واحدة من أبرز مصادر حركة المرور على الإنترنت، وتجاوزت حتى هولو، فيسبوك، وأمازون. هذا النمو يعكس الطلب الكبير على محتوى الألعاب والتفاعل الحي، الذي استجاب له تويتش بشكل متميز.
الانفصال عن جاستن.تي في وشراءها من قبل أمازون
في فبراير 2014، قررت الشركة الأم لجاستن.تي في إعادة تسمية نفسها إلى Twitch Interactive، وقامت بتركيز كل مواردها على المنصة الجديدة. في أغسطس من نفس العام، تم إغلاق جاستن.تي في بالكامل لتحويل الموارد إلى تويتش. هذه الخطوة الاستراتيجية تُظهر ثقة المطورين في إمكانات تويتش الهائلة.
في نفس الشهر، اشترت أمازون تويتش مقابل 970 مليون دولار، مبلغ يُبرز قيمة هذه المنصة في صناعة البث الحي. كان هناك أيضًا تقارير عن مفاوضات جوجل لشراء تويتش بمبلغ مليار دولار، لكن أمازون فازت في هذه المنافسة. الاندماج مع أمازون ساعد تويتش على الاستفادة من البنية التحتية القوية والموارد المالية لتعزيز نموها.
الميزات الرئيسية لتويتش
تميزت تويتش بخصائص فريدة جعلتها مختلفة عن المنصات الأخرى:
- البث الحي التفاعلي: يمكن للمستخدمين البث المباشر لألعابهم أو محتواهم وتبادل الحديث مع المشاهدين عبر المحادثة.
- التركيز على الألعاب: رغم توسعتها اليوم إلى محتوى موسيقي وفني، تبقى الألعاب الإلكترونية هستتها الأساسية.
- نظام المكافآت: يحقق المُستريمرز دخلًا عبر الاشتراكات، البتات (Bits)، والإعلانات.
- التركيز على المجتمع: وفرت تويتش بيئة لبناء مجتمعات حول الألعاب، المُستريمرز، والاهتمامات الخاصة.
تأثير تويتش على صناعة الألعاب والثقافة الرقمية
غيَّرت تويتش طريقة تفاعل الناس مع محتوى الألعاب، وساهمت في تأثير عميق على الثقافة الرقمية. ساعدت هذه المنصة اللاعبين على عرض مهاراتهم وتحقيق دخل من خلال العمل كمُستريمرز محترفين. حدث مثل "Twitch Plays Pokémon" في عام 2014، حيث سيطر الملايين على لعبة Pokémon جماعيًا، يُظهر قوة التفاعل في تويتش.
بالإضافة إلى ذلك، أصبحت تويتش مكانًا لبث مباريات الرياضات الإلكترونية، وقدمت لشركات تطوير الألعاب فرصة عرض منتجاتها مباشرة على جمهورها. ساهمت أيضًا في تشكيل ميمات واتجاهات على الإنترنت انتشرت على منصات اجتماعية أخرى.
التحديات والجدالات
رغم نجاحها، واجهت تويتش تحديات، مثل الاختراق الكبير الذي وقع في أكتوبر 2021، حيث كُشفت بيانات الموقع بما فيها الكود المصدر والتفاصيل المالية للمُستريمرز. رغم ذلك، أكدت تويتش أن معلومات الحسابات البنكية للمستخدمين لم تتأثر. كما أن إدارة المحتوى غير المناسب والحفاظ على توازن بين حرية التعبير والقوانين الداخلية للمنصة كانت من التحديات الأخرى.
تُويتش اليوم: منصة مستقلة ومتنوعة
بحلول مارس 2025، أصبحت تويتش تحتوي على أكثر من 3.8 مليون مُستريمر، و15 مليون مستخدم نشط يوميًا، وتقود سوق البث الحي. اليوم، تشمل محتواها ليس فقط الألعاب، بل الموسيقى، البرمجة الحية، والمحادثات التفاعلية أيضًا. ساهم شراء أمازون والاندماج مع خدمات مثل أمازون برايم (Twitch Prime) في توسيع ميزاتها وجذب جمهور أكبر.
المستقبل لتويتش
تواصل تويتش النمو من خلال الابتكار، مثل استخدام الذكاء الاصطناعي لاقتراح المحتوى، وتوسيع نطاقها إلى أسواق جديدة. رغم المنافسة مع منصات مثل يوتيوب غيمينغ وفيس بوك غيمينغ، ما زالت تويتش تسيطر على موقعها بفضل مجتمعها القوي وتركيزها على التفاعل الحي.
الاستنتاج
تحولت تويتش من فكرة بسيطة داخل جاستن.تي في إلى منصة مستقلة ومؤثرة غيَّرت صناعة الألعاب والبث الحي. من بث جاستن كان لحياته في عام 2007 إلى شراءها من قبل أمازون بمليار دولار وتصبح منصة للعديد من المُستريمرز، أظهرت تويتش كيف يمكن لفكرة مبتكرة أن تصبح ظاهرة عالمية. هذه المنصة لم تربط اللاعبين فقط، بل فتحت أبوابًا جديدة للترفيه والدخل في العصر الرقمي.